Powered By Blogger

الجمعة، 22 أبريل 2011

مصر بعيون المستشرق البريطاني الرسام ديفيد روبرتس

مصر بعيون المستشرق البريطاني
الرسام ديفيد روبرتس

David Roberts
1864/1796

في إحدى خطاباته لابنته (عام 1838م) قال ديفيد روبرتس: "ورأيت بعض الحجاج المسلمين على ساحل مدينة الإسكندرية وهم في طريقهم إلى مكة، وهم يؤدون خمس صلوات في اليوم ومشهدهم ساجدين هو من أكثر المشاهد تأثيرًا في نفسي".
كان لمدينة القاهرة أو مدينة الألف مئذنة سحر جذب الرحَّالة والأدباء والفنانين الأوروبيين، فحركت في نفوسهم الحنين المضطرم إلى عبق الصَّحارى وصخب الزحام وواجهات الحوانيت، ودفء الحياة، وروائح التوابل والثياب المزركش وآثار الماضي العريق وأساطين ألف ليلة وليلة؛ ليرسموا لنا مشاهد تنبض بالحياة، متباينة الألوان والظلال لمجتمع القاهرة في زمانها الجميل.. و"عرفة عبده علي" مصري استهوته فكرة جمع روائع الفن الاستشراقي الأوروبي التي لم يسبق نشرها في المكتبة العربية، وكان ديفيد روبرتس أحد أهم الفنانين الذين أشار إليهم في دراسته "القاهرة بالفرشاة الأوروبية".
ولديفيد روبرتس مجموعة رائعة من اللوحات التي تصور القاهرة ومساجدها وشوارعها وأبوابها.
ديفيد بروبرتس وُلِدَ عام 1796م في وسط عائلة فقيرة جدًّا، كان والده إسكافيًّا لم يهتم بتعليم ابنه، لكنه اكتشف فيه ميوله للرسم الذي لا يتناسب مع صبي في مثل بيئته، فمجرد أن تعلم ديفيد الصغير القراءة كان يلتهم الكتب التهاماً وألحقه والده بمدرسة داخلية، غير أن القسوة التي كان يتعامل بها قد تركت في حياته أثراً مريراً، ونجده يقول:
"وكالصبية الآخرين، كنت أُعامَل بوحشية، حتى أن جِلْد يديَّ وقدميَّ كان مشققاً بصفة دائمة من أثر الضرب بالعصا".
طلب ديفيد أن يترك المدرسة ويلتحق بعمل ما، وأبدى رغبته في أن يصبح رساماً أو يمتهن أعمال الدهان، وكان آنذاك دهان المباني بمواد بسيطة قبل اختراع الدهان بالزيت، وكانت الواجهات تتطلب مهارة ودقة في زخارفها، واستطاع روبرتس ديفيد أن يتعلم الكثير خلال تلك الفترة، وأصبح الفتى المدلل صاحب فريق العمل.
وبمرور الزمن بدأ روبرتس يبدي قلقاً وشعوراً بعدم الاستقرار، وبالرغم مما عاناه من قسوة ومرارة في تلك المرحلة، فإنه اكتسب من بين فريق العمل هذا صديق عمره "ديفيد هاي" الذي تخصص في أعمال الزخرفة الداخلية، الذي أصبح - فيما بعد - فناناً شهيراً وكاتباً في الفن والجمال.
ثم عمل ديفيد روبرتس بعد ذلك في أعمال الزخرفة والديكور بأحد المسارح، وقد أكسبه هذا العمل مهارة وخبرة وسرعة في تغطية مساحة كبيرة من قماش الرسم في يسر وسهولة، وأكسبته أيضاً الأعمال المسرحية دراية بالفنون المرئية وصقلت أسلوبه ورؤيته كفنان متميز، وأعدته للقيام برحلته الشهيرة إلى مصر والأراضي المقدسة خلال عامي 1838 – 1839م.
ومما لا شك فيه أن المدخل الذي ضم نتاج هذه المرحلة كان فاتحة لموجة من الفنانين المستشرقين ورحيلهم إلى الشرق خلال السنوات العشر التالية، وعلى رأسهم (ديفيد ويلكي وريتشارد داو).
وفي الرابع والعشرين من سبتمبر 1838م وصل "ديفيد" إلى الإسكندرية بعد أن توقف بجزيرة كريت، وفي الإسكندرية أمدَّه الكولونيل "باتريك كمبل" القنصل العام البريطاني بخطابات توصية إلى محمد علي باشا حاكم مصر.
وقد بدا من خلال إبداعات روبرتس ويومياته، اهتمامه البالغ بآثار مصر القديمة، وقد تأثر بما شاهده من قوافل حزينة للرقيق المهربين، ومن أعمال السخرة والخدمة العسكرية الإجبارية.
وكانت أطلال الفراعنة التي شاهدها روبرت تختلف عمَّا يشاهده السائحون اليوم، فقد كانت في أَمَسِّ الحاجة إلى عمليات ترميم هائلة، والمعابد كانت حينئذ مدفونة في الرمال حتى منتصفها، وامتدت إليها بيوت المواطنين وتداخلت معها، وعقب عودته للقاهرة كتب إلى ابنته قائلاً: "حصلت على ملف هائل من الاستكشافات لمعابد وآثار الفراعنة ذات الأهمية الكبيرة، وأتمنى أن أحقق ملفًّا آخر عن جوامع القاهرة التي لا نظير لها في العالم".
ويقول ديفيد روبرتس: إن العقبة الوحيدة التي كانت تعترضه هي تشدد البعض في منعي من دخول المسجد أو رسمه، لكنه حصل على فرمان من عباس باشا حفيد محمد علي حاكم مصر برسمه الجوامع فارتدى زيًّا عربيًّا وصحبه حارس نوبي ودخل جامع السلطان الغوري وهو أحد سلاطين القاهرة وتوسط صحن الجامع حيث تحلق فيه بعض الرجال المنهكين في تطريز قطعة كبيرة من القماش الفاخر، واقترب روبرتس أكثر ورأي البعض يبحثون ويقبلونها فجثا على ركبته وتناول حرفاً منها ليتفحصها، وكانت هذه الكسوة المقدسة المخصصة للمشهد النبوي، فانتزعها حارسه من يده في الحال ودفعه إلى الطريق "كان هذا لقرب عهد المصريين بالحملة الفرنسية وما فعلته بالأزهر، وما تركته من آثار نفسية وتوجس ناحية أي أجنبي".
في حين أن محمد علي كان حريصاً على وجود علاقات جيدة مع الإنجليز كما كانت فرماناته تتمتع بسلطة قوية في مصر وفي بلاد الشام.
كتب روبرتس في 29 ديسمبر من يومياته يقول: رسمت لوحتين كبيرتين إحداهما لشارع يؤدي إلى المارستان، والأخرى لنفس الشارع، ولكن من زاوية مختلفة، ويغلب على مشاعر الناس المودة، وفي بعض الأحيان أجد صعوبة في الرسم في شوارع مكتظة بالعابرين، لكن بصفة عامة كل شيء يسير بطريقة مرضية.